عدد الرسائل : 127 الفريق امفضل : الأهلى تاريخ التسجيل : 01/03/2008
موضوع: الحرب الفلسطينية - الفلسطينية.. الجمعة مارس 07, 2008 7:24 pm
الحرب الفلسطينية - الفلسطينية.. المرض العربي الذي لا علاج له!
كانت الصورة معبرة وموجعة جدا..
أحد عناصر كتائب الأقصى -الجناح العسكري لحركة فتح- ملثم الوجه ويحمل السلاح في يده اليسرى، وبسبابة يده اليمنى كان يلوح مهددا ومتوعدا، المصيبة أو الكارثة -سمها كما تشاء- إنه لم يكن متوعدا جنديا إسرائيليا وإنما مواطن فلسطيني مثله بالضبط تبدو عليه كل ملامح الارتباك والخوف وعدم الفهم.. مواطن فلسطيني يعمل بائعا للفاكهة على عربة يجرها باليد.. أما التهديد والوعيد فلأنه لم يمتثل لما قرره فصيل فسلطيني -لاحظ أنه فصيل وليس مؤسسة أو جماعة- بالإضراب عن العمل احتجاجا على الاشتباكات التي وقعت ما بين أنصار فتح وحماس، أما الارتباك وعدم الفهم فلأن البائع الفلسطيني اعتاد أن يكون التهديد من قبل الجنود الإسرائيليين وليس من قبل أشقائه الفلسطينيين، وأما الخوف فلأنه لا يعرف أي مصير ينتظره وينتظر وطنه في ظل هذه الفوضى والعبثية التي تعشش في أركان الوطن المحتل في الأساس.
المتابع للمشهد الفلسطيني يدرك أن الفوضى لم تندلع بالأمس القريب وإنما تعود جذورها إلى شهر يناير الماضي فور الفوز المفاجئ لحركة حماس في الانتخابات التشريعية، هو الفوز الذي كشف عن تأصل ذات المرض العربي الأصيل في الجسد الفلسطيني كدأب باقي الأوطان العربية، مرض عنوانه "لا تداول سلمي للسلطة"، فبعد ثلاثة أيام فحسب من إعلان الانتصار الحماسي في الانتخابات، خرج أنصار حركة فتح في تظاهرة كبيرة اشتبكوا فيها مع أنصار حركة حماس، بعدها بشهرين فقط سقط أول ضحايا التحول الديمقراطي السلمي في فلسطين عندما قتل ثلاثة أشخاص وأصيب 35 آخرون بعد اشتباكات بين أنصار الحركتين، بعدها لم يخلُ شهر واحد حتى وقتنا هذا من اشتباكات ومواجهات وإحراق لمكاتب ومؤسسات تابعة لكل من حماس وفتح، ووصل الأمر إلى حد قيام متظاهرين غاضبين لم تصرف لهم رواتبهم منذ فترة إلى منع رئيس الوزراء "إسماعيل هنية" من دخول المجلس التشريعي، إلى أن وصل الأمر إلى ذروته في الأسبوع المنقضي عندما قتل 8 فلسطينيين وجرح أكثر من 100 آخرين على خلفية مواجهات دامية بين أطراف الحركتين الأم اللتين تقودان الحياة السياسية والعسكرية في فلسطين.
وعلى عكس أفلام السينما التي تهبط إثارتها عندما يحدث في بنيانها الدرامي ما يعرف بـ"ما بعد الذروة"، فإن الإثارة التي تصل إلى درجة الجنون استمرت في فلسطين بعد الذروة، فالأمر لن يقف فيما يبدو عن مقتل المواطنين الفلسطينيين بأيد أقرانهم، بل قد يصل الجنون إلى ما هو أبعد وأخطر وذلك على خلفية التصريحات التي صدرت من كتائب شهداء الأقصى -لاحظ جلال الاسم وعظمته- والتي تصف فيها "خالد مشعل" -القيادي النشط بحركة حماس والمقيم حاليا بدمشق- بأنه "رأس الفتنة" متوعدة بقتله!
يمكنك أن تفهم جذور الفتنة والفوضى أكثر في فلسطين عندما تعرف بأن وزير الداخلية الفلسطيني المحسوب على حماس "سعيد صيام" عندما تولى منصبه فوجئ برفض متشدد للتعاون معه من رجال أجهزة الأمن المحسوبة على فتح، فما كان من الرجل إلا أن شكل قوة شرطة تابعة له ولحماس أطلق عليها وصف "القوة التنفيذية" هي التي باتت تتعامل مع أي انفلات أمني يحدث في غزة والقطاع.. وهكذا أصبح في فلسطين -المحتلة واخد بالك- قوتين من رجال الشرطة أحدهما تابعة لحماس والأخرى تابعة لفتح!
الأكيد أن الذي أشعل النار في جسد فلسطين المنهك أصلا هو التضييق الشديد الذي مارسته قيادات حركة فتح على حركة حماس فور أن وصلت للسلطة، وكأن للسلطة شهوة ومذاقا حتى ولو كان تحت الاحتلال، وإذا عرفنا أن حركة فتح هي التي تحظى وحدها دون بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى بدعم عربي ودولي لأنها التي كانت تتماشى تقريبا مع الأجندة المتفق عليها، لعرفنا أن المسئول عما يحدث في فلسطين ليس الفلسطينيين وحدهم، وليس أن بعضهم لم يعتد -كغيره من العرب- أن يتذوق الديمقراطية، وإنما يقف العالم بأسره وراء ما يحدث في فلسطين من بوادر حرب أهلية.
الحلول والخيارات الباقية أمام الفلسطينيين لتجاوز هذا المشهد الدامي محدودة.. ولا تتجاوز ثلاثة احتمالات إما إقالة حكومة "إسماعيل هنية" المنتخبة وتعيين حكومة طوارئ ويشترط أن تحظى هذه الحكومة بثقة المجلس التشريعي في غضون 30 يوما –لاحظ أن أغلبية المجلس هم من أنصار حماس وهو ما يقلل من فرص نجاح هذا الاحتمال- أما الخيار الثاني فيتمثل في إقالة الحكومة الحالية أيضا وتشكيل حكومة جديدة مستقلة لا تتمتع بأغلبية حماس أو فتح مما سيقفز على الفوارق والاختلافات بين الطرفين خاصة فيما يتعلق بالتفاوض مع إسرائيل -فتح تعترف بإسرائيل وحماس لا تعترف وأمريكا تشترط الاعتراف بإسرائيل كأساس لبدء المفاوضات من جديد- ويبقى الخيار الثالث والأخير وهو الذي يقوم على أن يتحاور أطراف حركتي حماس وفتح ويتفقان على ضرورة وقف هذا الانفلات الأمني الذي ينشر الفوضى ويؤخر بلادهم إلى الوراء سنوات أكثر وأكثر.
ما الحل الذي سيستقر عليه الفلسطينيون ؟ لا أحد يعرف.. لكن هل لك أن تدلنا أنت على وصفة شعبية سحرية تعالج أمراض حب السلطة في حكامنا العرب والتي تجعلهم يضحون بشعوبهم من أجل أن يبقوا هم وحدهم على قيد الحياة؟